مَضَى ما يُقارَب تِسعَة أشهُرٍ مُنذُ أَنّ دَوَنتُ آخِرَ مَرةٍ هُنا.. وكانَت مُناسَبة سَعيدة حَيثُ أَنَني تَخَرجتُ وتَخَلصتُ مِن هَمٍ يُدعى بُوليتَكنِك البَحرين..
واليَوم، تَحديداً شَهرُ أبريل.. شَهرُ المُفاجَآت.. شَهرُ ميلادي! استاء.. اِستَئتُ كَثيراً.. دعوني اسرِدُها مِن البِداية! عَلَّ هُمومي تَنزاح بِالكِتابَة!
حِينَ استَلَمتُ اتِصالاً مِن شَرِكَة اتِصالات البَحرين "بتلكو" بِشَهرِ يَنايَر مِنَ العامِ الماضي.. كُنتُ سَعيدة جِداً.. سَعيدة لكِن مُتَرَدِدة.. حَيثُ كانت سَنةَ تَخَرُجي ومِنَ الصَعبِ العَمَل بِدوامٍ كامِل!.. لكِن حِينَ رَأَيتُ أَنّ الأُمورَ سَهلة وغَيرُ عَسيرة أَبَداً.. أَحسَستُ أَنّ العَمَلَ بِبتلكو هو مِنْ نَصيبي.. وبَدأتُ العَملَ بِآخرِ أسبوعٍ مِنْ شَهرِ مارس، لكِن مِن أول أسبوعِ عَمَل .. المُدَرِبَة التي كانَتْ تُدَرِبُنا عَلى أَنظِمَة الشَرِكة لَمْ تَكُن تَتَساعَد مَعي نِهائِياً! كُنت أخرُج يَومَ الثُلاثاء فَقَط لِمُقابَلَة المُشرِف على مَشروعِ التَخرُج حَيثُ كانَتْ تُضايُقُني وتُخبِرُني أَنَهُ إَنّ استَمرَرتُ عَلى هذا المِنوال لَنّ يَكونَ الأَمرُ بِصالِحي.. المُزعِج في المَوضوعِ إنَهُ قَبلَ تَوقيعي لِلعَقدِ شَرَحْتُ لَهُم مَوقِفي وأَخبَروني إَنَّ القِسم الذي سَأكونُ فيه مُتَساعِدين جِداً وأَنّ أَغلَبَ المُوظَفينَ هُناك طَلَبَة جامِعات.. صَبَرّتُ إلى ما بَعدَ فَترَة التَدريب التي كانَتْ ما يُقارَب الثَلاثَ أًسابيع حَتى نَزَلنا لِمَوقِعِ العَمَل.. حِينَ نَزَلتْ كان الأَمرُ سَهلاً لِمُتابَعَة مَوضوع مَشروعِ التَخَرُج، حَيثُ رَتَبتُ كُلَ ثُلاثاء نَوبَة عَمَل ما بَعدَ الظُهر..
لَمْ أَكُنْ سَعيدة أَبَداً .. كُلُ يَومٍ اتَعَرَضُ لِأَسوَء المُعامَلاتْ مِن زَبائِن بَتِلكو.. وحِينَ أَذهَبْ لِلجامِعَة اتَعَرَض لِأَسوَء الكَلام والمُعامَلَة مِنَ المُشْرِف.. كانَ قاسِياً، لَمْ يُرضِهِ أَيّ شَيء .. وَلَن يَرضى.. كانَتْ حَياتي جَحيماً.. إلى أَنّ مَرَت الأَشهُر حتى تَخَلَصتُ مِن هَمّ المَشروع وهَمّ المُشرِف وهَمّ الجامِعة كُلَها.. وتَخَرجتْ في يوليو.. اَحسَستْ أَنَها بِدايَة جَديدَة! وأَنَها فُرصَة لِلتَركيزِ على شَيءٍ واحِدٍ فَقَط! وهوَ العَمَل.. طَبعاً.. تَجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ! كانَ الوَضعُ أَسوَء واتِصالات الزَبائِن السَيِئَة في اِزدِيادِ! ولِلأَسَف اَنَهُم سَيِئون حَتى وَهُم صائِمون!
في بَعضِ الأَحيان يَكون الحَق لِلزَبون والاحيان الاُخرى لا.. لكِن تَصَرُفاتْ وسُلوكِياتْ الزَبائِن في التَعامُلِ مَعَ مَشاكِلِهِم سَيِئَة جِداً ويَفتَقِرون لِلأَخلاق! قِلَةٌ مِنهُم مَنْ كانَ في أَسوَءِ حالاتِه مِنَ العَصَبِيَة لكِنَه يَتَعامَل بِشَكل راقي ورُبَما هوَ شَخصٌ واحِد أو اِثنَين فَقَط تَعامَلتْ مَعَهُم! حَسِنوا مِن اُسلوبِكُم حَتى تَنالوا حَقَكُم إنّ كُنتُم على حَق!
كُنتُ انتَظِر بِفارِغ الصَبر سَفرَتي المُتَرَقَبَة في مُنتَصَفِ شَهرِ اُغُسطُس.. حَتى أُرَفِهَ عَن نَفسي وأُزيلَ هُموم العَمَل والجامِعة.. لكِن السَفرَة كانَتْ أَسوَء مِن أَيّ شَيءٍ آخَر! مُنذُ أَوَل أسبوع كُنتُ انتَظِرَ عَودَتي لِلوَطَن!..
عُدتُ لِلوَطَن! وَعُدتُ لِهَمِ العَمَل! ومُنذُ أوَل يَوم رَجَعتْ فِيهِ لِلعَمَل كانَ هُناكَ خَلَلّ في الخِدمَةِ والاتِصالاتْ تَصِل فَوقَ الأَلف.. ونَفسِيَّتي تَسوء وتَسوء.. حَتى سائَتْ حالَتي الصِحِيَة وتَعَرضُتُ لِلقولون العَصَبيّ مُجَدداً الذي شُفيتُ مِنهُ تَماماً قَبل ما يُقارَب الِتسعَة أَعوام، حَيثُ أَنَني لَمْ أَعُد ذلِكَ الشَخص الحَليم.. وكُل شَيءٍ يَبدو مُستَفِزاً! طِوالَ شَهرِ سِبتَمبَر وأنا بِالمُستَشفى إلى حِينِ العَمَلِيَة.. ومُنذُ ذلِك الحينِ وأنا لَستُ بِحالَةٍ جَيِدَة.. في كُلِ شَهرٍ أَتَغَيّب يَومان أو ثَلاث بِسَبَب سوءِ حالَتي الصِحية..
الجَميع كان يَنصَحُني.. ويَقول ما لا يَستَطيع هُوَ فِعلَه! "تَحَمّلي"، "اصبِري"، "انتَظِري"، سَتُفرَج قَريباً! .. الجَميع كانَ يَظُنُ الأَمرَ سَهلاً.. لكِن في كُلِ يَوم كانَتْ تَسوء حالَتي بِشَكِلٍ شَديد.. لكِنَنِي كُنتُ اتَحَمّل واصبِر وانَتَظِر.. ليسَ حُبَاً في العَمَل ولا حُبَاً في المَال ولا اثباتْ لِقُوَة تَحَمُلي.. لكِن بِسَبَب أقساطِ السَيارة التي اضطرَرتُ أنّ اشتَرِيَها في يونيو بِسَبَب "بتلكو" حَيثُ أَنّ المَبنى الذي أَعمَلُ فيهِ يَحتاجُ إلى مَشي مِن عَشر دَقائِق إلى رُبع ساعة..
ولا نَنسى الحادِث الذي تَعَرَضتُ لَه بِشَهرِ مايو وكُدتُ أَنّ أموت.. الذي تَعَرَضتُ لَه في طَريقي لِلجامِعَة لِمُقابَلَةِ المُشرِف المُجرِم! وفي أبريل أَيضاً بَدَأت مَشاكِل تِلكَ السَيارَة في ازدِيادِ حَتى تَدَمَرَت في الحادِث..
وطَبعاً أُكتوبَر ونوفَمبَر وديسمبَر كانو مُتشابِهين.. مِنْ ناحِيَة العَمَل والنَفسِيَة والحالة الصِحِيَة.. ولَمْ أُصَدِق حِينَ بَدَأَتْ السَنَة الجَديدَة حَتى طَلَبتُ إِجازَة لارتاح! كانَتْ لِمُدَة أسبوعَيّن في نِهايَةِ يَنايِر .. لكِن لَمْ أرتَحْ لِلأَسَف.. كانَتْ هَماً أَكبَر .. لَأَنَني أَعلَم إنَني سَأعود لِلهَمِ قَريباً.. وما أَنّ مَضى فَبرايَر .. حَتى اتَخَذتُ القَرار .. وكان أَسعَدَ قَرارٍ اَتَخِذُه بِحَياتي!! كانَ في آخرِ اسبوعٍ مِنْ فَبرايَر .. شَقَقتُ طَريقي نَحوَ المَسؤول وزَفَفتُ عَلَيّهِ خَبَرَ استِقالَتي.. وما يَزيدُ اصراري على الاستِقالة هوَ رَفضُهُم لِنَقليّ مِن هذا القِسم لِقسمٍ آخرَ بِحُجَةِ إنَهُ يَجِب أَن يَحِلَ مَكاني شَخصٌ آخَر.. وهي حُجَةٌ واهِيه جِداً ..
كانَ يومَ الخَميس .. وكانَ مِن أَحدِ الاَيامِ السَيئَة التي يَكونُ عَدد الاتِصالات عالٍ جِداً.. لكِنَهُ كان الاَسعَد .. أَذكُرُ تَماماً شُعوري وأنا أقودُ مُسرِعة مُتَجِهَة لِلمَنزِل!
بَعدها بِأسبوعان حَصَلتُ على وَظِيفَة عادِيَة جِداً لكِنَني سَعيدةَ بِها.. لا تُقارَن بِمُستَوى وَصِيتِ بتلكو! لكِنَني هُنا أَسعَد .. وَلا أُريدُ التَكَلُمَ في سُمعَةِ بتلكو أو بِالأَحرى القِسمَ الذي كُنتُ بِه فَلَن أسكُتْ .. لكِنَني لا اهتَم .. لأنَني نَجَيتُ بِنَفسي!
ظَنَنتُ أَنَني نَجَيتْ.. وظَنَنتُ أَنَني تَرَكتُ ذلِكَ العَمَل الذيّ يُقصِر العُمر في الوَقتِ المُناسِب.. لكِنَني كُنتُ على خَطَأ.. لِلأَسَف..
في الثالِثِ والعشرينَ مِن مارس بَدأتُ أشعُر بِنوباتِ تَعبٍ شَديد ودُوارٍ في الرأسِ وأَلَمْ في الجِسم وارتِعاش.. حَتى ظَنَنتُ إنَهُ مُجَرَدُ حُمّىً عادِيَة وسَتَزول قَريباً.. ولِلأَسَف مُجَدَداً كُنتُ على خَطَأ.. بَعدَ أسبوع ازدادَت حالتي سوءاً حَتى قَررتُ مُراجَعَة المُستَشفى الذي ظَنُوا إِنَهُ مُجَرَد عَدَم تَناسُب بَعض مِن الأَطعِمَة لِجِسميِّ.. لكِن بَعد أسبوعٍ آخر ازدَدتُ سوءاً حَتى إِنَهُ لا مَفَرَ مِن الألَم والمُعاناة غَيرَ الدُموع.. فَكانَتْ فِعلاً تُريحُني ..
راجَعتُ نَفسَ المُستَشفى مُجَدَداً .. لكِن تَم تَشخيصُه بِشَكلٍ مُختَلِف وتَمَ تَحويلي على استشاري..
واليَوم.. تَمَ تَشخيصُ المَرَض بِأَنَني اُصِبتُ بِغُدِةٍ نَشِطَة جِداً.. وأَنَها كانَتْ مَوجودَة مُنذُ مُدَة طويلَة لكِنَني لَمْ اَشعُر بِها إلا مُنذُ شَهر فَقَط.. تُصاحِبُني الآلام والدُوار مُنذُ عِدَة لَيالٍ ولا استَطيعُ النَوم.. لكِن ذَرفَ الدُموع..