كتبت هذا المقال للجرائد حيث لم يتم نشره، أظن ان السبب هو كثرة العدد حيث يفوق الألف كلمة. وكان تعقيباً لمقابلة أجراها المذيع فايز السادة مع عبدالله بونوفل وفيصل الشيخ و ماجد سلطان وكانت المقابلة تدور عن سبب ذهاب اللاعبين البحرينيين في مسيرات غير مرخصة وضد القانون. كتبته في الموافق السادس من ابريل 2011.
وكانت المقابلة في الموافق الثالث من ابريل 2011، لكنني لست متأكدة.
هل تصنع الرياضة ما تعجز عنه السياسة؟
ابدء سطوري و أنا لا أزال تحت تأثير الصدمة وأعجز عن التعبير. طوال هذه الفترة لم استطع البوح عن مكنوني أو بمعنى آخر عن "رأيي"، سيتسائل البعض لماذا حددت كلمة رأي؛ فجوابي هو.. انه طوال هذه الفترة امتنعت عن الكلام نهائياً خوفاً لأن أخسر أصدقائي وذلك لأنه الأغلبية العظمى من زملائي وأصدقاء دربي هم من المعارضة، خشيت خسارتهم لكني أقولها اليوم: "هم لم يخشوا خسارتي!" فقد كانوا يعبرون عن رأيهم بكل طلاقة وحتى أن البعض منهم تطاول! وهذا ما لم اعتد سماعه في حياتي قط...
حاولت مرة أن أبين حقيقة للجهة المعارضة بأن ليس كل ما ينشر عبر شبكة الانترنت حقيقي، فشاركت على حائطي في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" صورة. كانت صدمة عمري حين رأيتهم ينهالون علي بالاتهامات وإنني أصدق تلفزيون البحرين وأكذبهم وإلى مالا نهاية من أقوال. أنا لا أتكلم عن جميع أصدقائي، فأنا اعتبر نفسي اليوم في نقمة من بعد ما كانت نعمة، ألا وهي أن يكون لي أصدقاء فوق الأربعمائة على صفحة "الفيس بوك" فقط! ومنذ 14 فبراير إلى اليوم اكتشف شخص جديد يحذفني من القائمة. ألازلنا نخادع أنفسنا ونقول الموضوع ليس طائفي؟ وأغلبهم حذفوني من القائمة من دون سبب! أتساءل لو كنت أفعل كما يفعل المؤيدين.. ماذا سيفعلون؟
أنا اليوم وعدت نفسي بأن لا أكتم على نفسي أكثر.. فاليوم شعرت بإنقباض في قلبي بسبب الحالة النفسية التي مررت بها وهو استرضاء الطرفين مما يشعرني بالنفاق. فأنا لا أنافق العالم.. أنا انافق نفسي وربي فأنا يوم القيامة مسائلة عن قول الحق.
لن أقول إنني طوال هذه الفترة إلتزمت الصمت. لا، بل شككت في نفسي بأنني على الطريق الخطأ! لأنه كان جميع من حولي ضدي! تسائلت كثيراً حتى شكك أهلي فيني وفي ولائي. فلإثبات الحقائق يجب علي التحقيق والاطلاع على مجريات الأحداث. قمت في بحث عميق جداً، للأنني على علاقة وثيقة مع أصدقائي المعارضة، كنت اعرف تبعيتهم وخلف من يسيرون. نبشت في ملف كل شخص ورأيت حقائقهم. ولكن! ياللعجب! رأيت مجريات البحرين في العشرون عاماً الماضية عبر موقع "اليوتيوب"! يالسخرية..
بعد التحري، كانت المعطيات إنه كما تأثر الإعلام الغربي والخارجي، تأثرت أنا كذلك بنفس الطريقة؛ والجدير بالذكر بأنه كانت هناك حقائق كثيرة قد تغاظى الكثير من المعارضة عنها ولا أعرف السبب! ومسكوا الحبل من طرف التعاطف وليس تحكيم العقل والوجود بالأسباب.
في النهاية استطعت اثبات ذاتي لنفسي وإنني على صواب. فألتزمت الصمت المطلق بعدها. واكتفيت بهذه النتيجة لأنني كنت أسعى للحقيقة. إنما اليوم قررت الخروج عن صمتي بعدما رأيت الحلقة الصاعقة من برنامج "الراصد" الذي كان يتضمن حقائق اللاعبين. اقشعر كياني، كانت فعلاً صدمة مُدمعة!
وأثناء ذلك، كنت على تواصل مع بعض الأصدقاء المؤيدين للنظام عبر "الفيس بوك" وكانوا يطالبون بمطالب كعقوبة لهؤلاء وآخرون لديهم مقترحات وتطوير. فقررت بأن أجمعهم في مقال وأوصله للعالم.
حدثني مواطن قلق يطالب بعدم التهاون، وهم اليوم يحاولون الاستعطاف وكسب العطف والمسامحة ونحن في وقت لا يقبل التسامح وإنما المحاسبة كي نصنع جيل جديد بروح رياضية غير سياسية. فقد كُشفت المسألة وسقطت الأقنعة ولا مجال للتبرير.
بينما حدثتني أخرى، وقالت يجب فصلهم لخيانتهم وأن يكون هنالك إثبات لخيانتهم كإثبات لـ"حسن سيرة وسلوك" لكي لا يتساوى المواطن الصالح بالطالح.
من جهة أخرى، حدثني لاعب كرة قدم في أحد الأندية الناشئة سابقاً يدعى محمد، وهو الآن في العشرينات من عمره. كانت نظرته محورية حول اتحاد القدم. ولكن قبل التطرق في الموضوع، ابدى محمد رأيه في ما رأيناه في حلقة الراصد عن استيائه الشديد وإنه يجب التصرف في الموضوع بحكمة وعدل.
لكن عن الرياضة بشكل عام في البحرين، من الممكن تحويل هذا الحال الذي نمر به إلى فائدة وابتكار فرص كبيرة تصب في صالح المؤسسة العامة للشباب والرياضة. محمد يؤمن بأن الأندية في البحرين يجب أن تعطي الرياضيين الذين لم يلعبوا قط في أندية محلية فرصة، أو هؤلاء الذين حظوا بتجربة سيئة في نادي أجبرهم على ألا أن يتأهلوا لمرحلة الأندية. وأكمل محمد: "بصراحة، هناك الكثير من اللاعبين في مناطق شتة في البحرين لديهم مهارات ربما تتفوق على لاعبي المنتخب انفسهم وخصوصاً في رياضة القدم". وكذلك اضاف، "لدينا الكثير من اللاعبين المتميزين والموهوبين لكن لا نعرف كيف نسحب منهم هذه المهارة لصالحنا. لو نظرنا للدول الأخرى كالبرازيل والأرجنتين، سنلاحظ انهم ينتقون لاعبيهم من الشارع وفي النهاية، اليوم نراهم نجوماً! مثل تريفز وروبيرتو كارلوس و ريفالدو وغيرهم".
محمد أعطى فكرة رائعة لتطوير كرة القدم وفي نظري قد تفيد رياضات أخرى في البحرين ألا وهي لتسهيل عملية انتقاء اللاعبين، من الممكن أن نجري تدريبات تجريبية لأي رياضي بحريني، وتقسيمهم على المناطق والمحافظات ويديرها ويختار منها المدربين الخبراء في المجال تجنباً للتضليل في العملية الانتقائية للاعبين.
وأضاف: "الجميع عليه أن يحظى بفرص عادلة، وبذلك ستتطور رياضة البحرين ومن المحتمل انه في المستقبل سيلعبون في مستوى احترافي وبذلك أيضاً ستكون نقطة تحول كبيرة في مجال كرة القدم".
وتسهيلاُ للعملية، على الأندية أن يعلنوا التجارب في أماكن عامة، مثلاُ: نادي المحرق يضع اعلاناته لسكنة المحرق وضواحيها، ونادي النجمة يضع إعلاناته لسكنة الحورة والقضيبية، نادي مدينة عيسى لمدينة عيسى وهكذا. بهذه الطريقة، مهارات جديدة ستظهر. وفي الوقت ذاته، لن نكون بحاجة للاعبين غير موالين للبحرين والملك. وشدد على إنه بإمكاننا العثور على عدد كبير من اللاعبين الموالين للحكومة والملك واستبدالهم وهم أكثر مهارةً.
ولتكبير العدسة على النطاق الرياضي، اتجهت للاعب كرة سلة معتزل في نادي مدينة عيسى، لأجمع وجهات نظر متعددة وآراء وأفكار. يوسف حميد الذي ابتعد عن اللعب بسبب اصابته، انسان لم أرَ في حياتي مثله في وجهات نظره الثاقبة وولائه للوطن. يوسف أراد مني أن أحدد مذهبه في المقال ليعرف الناس توجهه، فهو شيعي ولا يريد لأحد أن يشكك في ولائه.
مقابلتي مع يوسف كانت بعكس محمد، محمد كان منطلقاً بأفكاره فهو من أبدى استعداده بينما مع يوسف فقد أعددت له الأسألة ليجيبني عليها. وبدأت أسألتي إن كان يرى للسياسة علاقة بالرياضة؟
- فأجابني مشدداً على رأيه، بأنه لا توجد علاقة بتاتاً، القضية الوحيدة الموجودة وتتمحور في السياسة هي تمثيل الدولة في الخارج. أياً كان النادي الذي تلعب فيه مثلاً المحرق البحريني، الأهلي البحريني، الاتحاد البحريني... الخ. فأنت في النهاية تمثل البحرين.
وتعقيباً على انسحاب أحد الأفرقة لسبب سياسي وهي في مهمة لتمثيل البحرين في الخارج، ابدى يوسف رأيه: "إن كنت ضد الحكومة أو الملك، إنه لمن الخطأ ان انسحب عن المباراة، لأنه المباراة لا دخل لها بهذا الشيء وإنني في النهاية أمثل الوطن وليس الحكومة وإنه لو كنت تحب البحرين لما بدر منك هذا التصرف لأنه بذلك انت تفسد فرصة من فرص البحرين الرياضية ولا تطورها وتفيدها.
وفي سؤال آخر: كيف تصنع الرياضة ما تعجز عنه السياسة؟
- أجاب بكل روح وطنية: هي لا تصنع شيء مسمى للسياسة، هي تصنع هدية.. ذكرى جميلة للبلد التي تمثله. على سبيل المثال كأس العالم، لو تمر على الذكرى مائة عام، ستبقى الذكرى خالدة ولن ينساها أحد بأنه في هذه السنة فازت هذه الدولة وستتكرر على ألسنة المواطنين في المناسبات الكروية فهي بصمة براقة في التاريخ.
في نهاية الموضوع نحن لا ننكر التطور الذي شهدته رياضة البحرين في هذه العشر سنوات. فأنا عن نفسي رأيت كيف هناك تطور وتألق بالأخص في الأفرقة النسائية والاهتمام الواضح. فنشكر المؤسسة العامة للشباب والرياضة على هذا الإهتمام والتطور الساحق الذي شهدته ساحتها.
ختاماً، نحن نرى بأنه على الدولة والجهات المعنية التحرك في موضوع توظيف طاقات جديدة في المنتخبات الرياضية ونحن على استعداد لترشيح أشخاص نرى فيهم الكفاءة وأننا لا نريد التهاون في العقوبات، فما حصل على شاشة تلفزيون البحرين في تاريخ الرابع من ابريل بمثابة الصفعة في النطاق الرياضي السياسي. وهذه الصور والفيديوهات قد تمحى من الأجهزة لكنها لن تمحى من قلوبنا او مسامعنا فهي كالصدى. فكما قال عبدالله بونوفل: "لقد رأيت الاندفاع الحماسي والتعبير!!" فهذا ما قتلنا فعلاً. وما آلمني شخصياً لم يكن الفيديو كيف أكرمهم الشيخ ناصر ووالده، فهذا المشهد اعتدت عليه في كل مناسبة رياضية يفوز بها المنتخب. ما آلمني فعلاً وقد حرق عيناي مُدمعاً ما قاله الاستاذ ماجد سلطان لعلاء حبيل. لو كنت مكان علاء لما تمالكت نفسي وفقدت احترامي لنفسي! فما قاله لم يكن مادياً بل معنوياً وهو ما كنا نتمناه في حياتنا كشعب.. مخاطبة الملك! كما قال بونوفل: "آنه بس اتمنى الملك يكلمني.. أتمنى بس!!". نعم بونوفل، نحن نتمنى ذلك فقط. ولن أنسى تسجيل محادثة الملك على الراديو فهي في هاتفي استمع لها بين الحين والآخر وكأنه يخاطبنا بدون حواجز! نعم مليكنا.. حبنا لك كل يوم يزداد.. عند الفاتح لنزول الطائرة العمودية لنا حيث ادمعنا ذلك الموقف الذي بين لنا "حقيقة الملك" ومحادثتك للراديو المحلي. أتمنى أن لا يحرمنا الملك من قربه هذا، فهو يكفينا وقد فقدناه في السنوات الماضية. حيث اعتدنا على زياراتك المفاجئة للمناطق والأحياء السكنية.
نصيحة: هذه النصيحة أوجهها كواجب وطني للشعب أجمع، ربتني عائلتي على احترام صورة الملك في كتبي الدراسية وعدم تعرضها لأي ضرر كان حتى لو شخطة من قلم، فهنا رأيت التربية الوطنية، سؤالي هو: هل الجيل الجديد نمت فيهم العائلات هذا الاحترام والولاء؟؟ فما رأيته من تمزيق وأشياء لا اريد أن انطق بها ومساس بصورة الملك صدمني واقشعر بدني ولا اريد رؤيته مرة أخرى.