السبت، 7 سبتمبر 2013

مزحة تحولت إلى حقيقة!



لَم يَدُر في خُلدي قَطّ .. بِأَنَ مَزحَةً كُنا نُرَدِدُها أنا وأُختي سَتَكون عَلى أَرضِ الواقِع! كَيفَ لا؟ يُؤَجِلُ أَمانينا ولا يَنساها... الحَمدُللهِ رَبُّ العالمين.. مَزحَةٌ استَمَرت على مَرِّ عامَين.. وتَخطيطٌ لِمُدَةِ شَهرين.. 

في صباحِ ثاني يَوم عيدِ الفِطر.. اجتَمَعَ في الصالةِ كُلٌ مِن أبي وأمي وأُختي وأَخي وطَبعاً أنا، تَلاقت النَظَرات الشُريرة بَينَنا والضَحيةُ أَبي .. في خُضُمِ القِصَص التي كان يَرويها أَبي قاطَعَتهُ أُختي قَائِلةً: "أَبي.. الأُسبوعَ القادِم سنغادر لِلهِند"... فَتابَع أَبي حَديثَهُ ظَناً بَأنَها أَحدُ مَزحاتِنا المُتَكَرِرَة.. فَكَرَرَت أُختي: "أَبي.. هَذِهِ المَرَّة لَيّسَت مَزحة! سَنُغادِر في الخامسِ عَشرَ مِن هَذا الشَهر.." فَساد الصَمتِ لِلَحَظات.. هَكَذا بَدَأَت رِحلَةُ الأَلفِ ميل .. بِخُطوة!..

في الخامسِ عَشر مِن اغُسطس.. شَدَدَنا الرِحال وانطَلَقنا لِلمَطار.. أَعيُنُ النَصرِ تَتَلَألأ.. آمالٌ عالية.. وهِمَمٌ مَشدودة.. انطَلَقت الطائِرة في الساعةِ الثامِنة والنِصف حَسَب تَوقيتِ مَملَكةِ البَحرَين.. وَوَصَلنا إِلى مَطارِ نيودِلهي الدُوَليّ في حُدودِ الخامِسَة فَجراً حَسَبَ تَوقيت نيودِلهي المَحَليّ.. لا استَطيع وَصفَ الجَوّ الجَميل وَكَيّفَ يَبدو الفَجرَ هُناك .. سِوى .. رائِع! نَزَلنا في المطارِ .. ولا أَنكر كَيفَ كانوا يُدَلِلُونَنا ويُرشِدونَنا حتى مَلَئوا أوراقنا  عَنا وعِندَما عَرَفوا بِأَنَنا يَجِبُ أَنّ نَنطَلِقَ لِبانغلور في حدودِ ساعةٍ.. أَخَذوا يَدِلونا ويَأخُذونا حَتى أَوصَلونا لِبابِ الطائِرة وفي الوقتِ المُناسِب.. لَن أَنسى أَبَداً هَذِهِ المُعامَلةِ الحَسَنَةِ مِن شَعبٍ يَحتَقِرُهُ الجَميع! وَلَنّ أَنسى الجَريّ والمَشيّ السَريع لِلوُصول في الوقتِ المُناسِب بِسَبَبِ حَجمِ مَطارِهُم الكَبير!

رَكبنا الطائِرة التي سَتَنطَلِق إِلى بانغلور في حدودِ الساعةِ السادِسَة والنِصف.. وكَيفَ هو الطَيران الداخلي راقٍ جداً ومُطَوَر وحَديث.. حَيثُ إنَني لَم أُفَكِرّ أَبَداً في إنّ الهِند بِهَذا التَطور!

اِنطَلَقَت الطائِرة.. وكَيفَ يَبدو الصَباح مِن فَوقِ الغُيوم! مَنظَرٌ بَديع يَستَحِقُ التَأمُلَ والتَسبيح .. وما أَنّ بَدَأت الطائِرة بالنُزول حَتى رَأينا الإِخضِرار مِن ارتفاعِ متراتٍ.. بانغلور مَدينَةٌ خَضراء بِحَق! كَما تَتَميّز بِالتُربَةِ الحَمراء..

مَطارُ بانغلور .. مَطارٌ يَستَحِقُ الإشادَةَ بِه! مَطارٌ جَميل كَجَمالِ مَطارِ نيودِلهي لكِن بِنَكهةٍ مُختَلِفة.. انطَلَقنا بِسيارةِ الأُجرة مُتَجهين لِلفُندق.. كَم هو كَبير! أَخَذت السيارة تَنطَلِق وكُنتُ أُفَكِر بِأَنَنا دَخَلنا المَدينة بِسَبَبِ هَذِهِ المَسافة الطَويلَة.. حَتى وَصَلّنا لِبَوابَةِ المَطار.. هُنا استَوّعَبتُ إِنَّ كُل هَذِهِ المَسافَة كانَت داخِل باحَةِ المَطار فَقَط! 

اِنطَلَقنا في شَوارعِ بانغلور... وما شَدّ اِنتِباهي هو مَنظرُ الشَعب الهِنديّ وهَوَ يَعمَل في بناءِ وعُمرانِ وتَطورِ الهِند.. وكَيفَ المَرأةَ تُساهِم في عمليةِ البناءِ! وكُلَما مَضَيتُ في الهِند قَلِيلاً يَكبَرُ اَعجابي بِالهِندِ جُمهوريةً وشَعباً... 

وما إَنّ وَصَلتُ الفُندق في حدودِ الساعةِ الثانيةَ عَشَر ظُهراً حَسَبَ تَوقيتِ بانغلور المَحَليّ حَتى اِرتَمَيتُ عَلى السَريرِ مِن شِدَّةِ التَعب وَلَم أُغيّر مَلابِسي حَتى إِلّا بَعدَ أنّ اِستلقيتُ قليلاً مِنَ الوقتِ.. 

استيّقَظنا في حدودِ الخامسةِ مساءاً.. كان شُعوراً غَريباً! أَن نَكون أنا وأُختي فَقَط في الغُرفَة وفي مَكانٍ لا تَعُجُ بِهِ أُسرَتُنا! أَخَذَتني الذِكرَياتُ لِلوَراءِ.. وكَأنَني لازِلتُ في الرابِعَةِ أو الخامِسَةِ من العُمر .. نَلهو مَعاً ونُشاهِدَ التِلفاز ونَأكلِ الـ "بِرنغِلز" ونَحوم في الغرفةِ ونَستَطلِعُ أَرجائَها.. وبَعدَها اِتَجَهتُ لِغُرفَةِ أُمي وأَخي ودَقَقتُ البابَ عَليهِم.. فَتَحَت ليَّ أُمي الباب فَطَلَبتُ مِنها أَن تُغَيِّرَ مَلابِسَها ونَنطَلِقَ لِلعَشاء.. 

ذَهَبنا لِلطابِقِ العِلويِّ حَيثُ المَطعَم.. وكانَت الساعةُ تُشيرُ إلى حدود الثامِنَةَ مَساءاً.. وَلكِن الحَياةُ في بانغلور وبِالأَخَصِ في "وادي سيليكون" لَم تَكُن كَما تَوَقَعت! فَالشوارِعُ حَيَّة وَتَعِجُ بِالسَياراتِ وَالمُواطِنين كَما لو أَنَني في الوطنِ على عكسِ بَقِيَّةِ الدُوَلِ كَسيرِلانكا حَيثُ يُحظَرُ التَجوالُ مِن بَعدِ الثامِنَةِ مَساءاً.. 

وبَعدَ العِشاء .. انطَلَقنا لِلنَوّمِ مِن جَديد حَتى نَتَمَكَنَ مِنَ الاِستيّقاظِ باكِراً.. لكِن بِالرُغمِ مِنَ التَعبِ الذي كان يُرهِقُ جَسَدي وعَيَنيّ إِلّا أَنَني لَم أَتَمَكَنَ مِنَ النومِ .. ولِحُسنِ الحَظ إنَني أَحضَرتُ مَعي حاسوبي اللَوّحيّ الذي مَلئتُهُ بِالأَفلامِ لِأَوقاتِ المَلَل.. وظَلَلّتُ أُشاهِدُ فِلماً غَريباً نيوزلَندياً لا أَعرِفُ مِن أَينَ حَصَلتُ عَليّه! وَلَم يَكُنّ طَويلاً جِداً..

في صباحِ اليوّمِ التالي .. الذي كان يُوافِقُ السابِعَ عَشَر مِن أُغُسطُس.. ذَهَبنا نَستَطلِعُ المُجَمَعَ الذي كان في الجِهَةِ الُمقابِلةٍ لِلفُندق.. "مُجَمَع سبريي التِجاري" .. أُقِرُ بِأَنَهُ مُجَمَعٌ كَأَحَدِ المُجَمعاتِ في البَحرين وبِنَفس جَوّدة البِضاعَة والأَسعار! حَيثُ لَم أَشعُر بِأنني في الهِندِ أَبَداً.. 

وفي طَريقِ رُجوعِنا مِن المُجَمَع.. ما أَنّ دَخَلت الفُندق حَتى نادَتني مُوظفةُ الاِستِقبالِ تُخبِرُني بِأَنَّ كانَ لَنا زُواراً في أثناءِ خُروجِنا.. سارَعنا بِالاِتِصال إِذّ هُم كانوا يَنتَظِروننا في مَكانٍ قَريب وأَتوا بِسُرعَة..

وهُنا بَدأ الفِلمُ الهِنديّ مِن بُكاءٍ وأَحضانٍ بَيّنَ أُمي وأُختَها.. حَيثُ كانَ هذا اللِقاءَ الأَوَلَ لي ولِأختي وأَخي بِخالَتِنا وَأَبنائِها الاثنَيّن.. 

حديقة لالباخ
في نفسِ اليَوّم .. أَخَذونا في جَوّلَةٍ .. وكانَت وِجهَتُنا حَديقةُ "لالباخ" التي حَكى عَنها أبي كثيراً قبلَ مُغادَرَتِنا.. انطَلَقنا نَحوّ لالباخ.. في طَريقِنا إِلى هُناك.. رَأَيّتُ شَوارِعَ الهِندِ التي بَدَت لي كشارِعِ جِد عَليّ بِمَنطِقَتِنا! فَلَيسَ هُناكَ مِنَ الاِختِلافِ الكَبيرِ جِداً... 



حَديقَةُ لالباخ.. حَديقَةٌ كَبيرَةٌ وعَظيمَة وتَدرُجاتِ اللّون الأَخضَر في الأَشجارِ رائِعَة جِداً... كُنتُ في غايةِ السَعادَة ولا أَعرِفُ السَبَب! رُبَما هُوَ التَغييرُ حَتماً!

وفي وَقتِ العَشاء ذَهبنا لِـ"دُمينوز" الواقِع في المُجَمَعِ المُقابِل لِلفُندق.. 

الساري
في اليومِ التالي.. لَم يُحالِفنا الحَظُ لِزِيارَةِ أَيّ مَكان.. فَقَد تَعَطَلَت السَيارَة.. أَمضَيّنا يَومَنا مَعَ الخالة .. وكُنتُ أُصَرُ عَلى أَن تَأخُذَ لي أمي "ساريّ" (اللِباسَ الهِنديّ الشَعبيّ) فَعِندَما عَلِمَت الخالة بِالأمر.. أَخرَجَت لي واحِداً لِأُجَرِبَه.. كَم كُنتُ سَعيدَةً لِتَحقيقي مُبتَغاي! وكَم هِي السَعادة كانت بادِيَةً عَليَّ!.. وأَخَذَت خالَتي واِبنَتُها بِاِستِكمالِ اِجراءاتِ التَزيينِ مِن شَعرٍ واِكسِسوارات.. جَلّ ما أَفرَحَني هُوَ رُؤيَة البَسمَة على وَجهَيّهِما! وبَعدَ تِلكَ التَجرُبَة المُمتِعَة .. اِتَجَهنا أَنا وأَخي وأُختي واِبنَةُ الخالة لِلمَقهى المَوجود في حدودِ المُجَمَع بِالخارِجِ.. 
وعِندَ عَودَتي.. وَجَدنا دُخاناً كَثيفاً يَملَئُ الغُرفَة! وَكَأَنَ شَيئاً ما اِحتَرَقَ بِالغُرفَةِ!.. لكِن بَعدَ السُؤال اِتَضَحَ إنّ طَعاماً اِحتَرَقَ بِالمَطعَمِ وَتَسَرَبَ الدُخانُ عَبرَ أَجهِزَةِ التَكييفِ المَركَزية.. 
البنجابي
يَبدو إِنّ عَرضَ الأَزياءِ كانَ مُمتِعاً لِخالتي! فَقَد أَخرَجَت لي الـ"بنجابي" لِأُجَرِبَه.. فَلَم أَشَئ أَنّ أَرفُضَ لَها طَلَباً.. فَنَفَذتُ ما طَلَبَتهُ مِني.. كانَت مُستَمتِعَة وتَطلُب مِن أُختي أَنّ تُصَوِر وكانت تُوَجِهُني كَيفَ أَجلِس لِلصورًة...
وفي اليَومِ الذي يَليه.. استَيّقَظتُ وأَشعُر بِأَنّ جِسمي بَدَأَ يَتآكَل!! لَم أَعُد أَحتَمِلُ الحَكَة الفَضيعَة! فَما وَجَدتُ نَفسي إِلّا والبَعوض قَد أَشبَعَ جوعَهُ فيني! وكَذَلِكَ هُو الحال مَعَ أُختي.. وَبَعدَ الاِستِغراب ومُناقَشَة الأَسباب بَيّني وبَيّنَ أُختي اتَضَحَ أَنّ الشُرفَة كانَت مَفتوحَة طِيلَةَ اللَيّل! وسَمَحَ لِلبَعوضِ بِالدُخولِ والسَكَنَ عِندَنا!.. فَمَن فَتَحَ الشُرفَة؟

كانَ أَخي.. هُوَ مَن فَتَحَ الشُرفَة وذَلِكَ لِيَخرُجَ الدُخانُ مِنَ الغُرفَة لكِنَهُ لَم يَعطِنا خَبَراً بِذلِك.. وكان الظَلامُ قَد حَلّ وأَحَدهم أَغلَقَ السِتار مِما أَخفى مَظهَرَ الشُرفَة وهوَ مَفتوح!.. وكانَت الضَحيتان هُما أنا وأُختي..

أداة الجريمة... البيانو..
عَلى أَيَّةِ حال.. اِتَجَهنا لِلمَطعَم لِلإفطارِ كَكُلِ صَباح.. وطَبعاً لابُدَ مِنَ العَبَثِ والتَصوير.. فكانَ ضَحيتنا هو... البيانو! بَعدَ ذَلِك ذَهَبنا.. لِلمُجَمَع.. الذي كانَ ضَحِيَتنا اليوّمِية! حاله كَحال البَقالة في حيِّنا.. هَذِهِ المَرة رَكَبنا جَميع الطوابِق لِنَكتَشِفَ المُجَمَع.. 

وفي عَودَتي .. طَلَبَت مِني الخالة تَزيين شَعري.. تُعجِبُني كَيفَ تَهتَمُ بِهَذِهِ الأُمور.. حَسَبَ ما أَخبَرَتني أُمي.. إِنَهُ مِن أَحَدِ القَوانين اليَومية في جَدوَلِها تَزيين الشَعر صَباحاً... لكِن يَبدو إِنّ ذَلِكَ لَيسَ أَحَدَ اِهتِماماتي اليومية!..

عَصرَ هَذا اليَوم.. اِتَجَهنا لِحَديقَة "كوبون" والتي كانَت أَكبَر بِكثيرٍ مِن حَديقَة "لالباخ"! عِبارَة عَن عِدَة حَدائِق مُتَصَلة بِبَعضِها البَعض.. يَتَخَلَلُها شَوارِع وتَضُم مَكتَبَةً قَديمَة تُدعى "مَكتَبَة الدَولَة المَركَزية" و"محكمة كارنتاكا العليا" و"مَتحَف حُكومَة مَيسور" و"مَتحَف فيسفيسفاريا الصِناعي والتِكنولوجي". لَم يُحالِفنا الحَظ لِدُخول مَتحَف مَيسور حَيثُ كانَ مُغلقاً لِلتَجديدات.. لكِن حالَفَنا الحَظ بِدُخول المَتحَف التِكنولوجي والذي يَستَحِقُ هَذا الاسم بِكُلِ مَعنى الكَلِمَة! فَقَد ذُهَلتُ فِعلاً لَما رَأَيتُ بِداخِلِه!.. كانَ يَضُم كافَة العُلوم مِن الكيمياء والأحياء والحَرَكة والضَوء والألوان والفَضاء وكُل ذَلِك كانَ مُدَعَماً بِالتِكنولوجِيا... حَيثُ تَتَعَلَم بِنَفسِك بِإدارة الأجهزة.. كان يَتَكوَن مِن أَربَعَ طوابِقَ عِلمية وطابِق للِاستِراحة والأَكل.. 
متحف حكومة ميسور

مكتبة الدولة المركزية
متحف فيسفيسفاريا الصناعي والتكنولوجيو
أحد الأدوات التعليمية في المتحف

 عِندَ العَوّدَة.. اِتَجَهنا نَحوَّ المُجَمَع -مُجَدَداً!- وذَلِكَ لِتَناول العَشاء.. 

بحيرة ماديوالا
وفي صَباحِ اليوم التالي.. طَبعاً اِزدادَت قَرصاتُ البَعوض.. فَكما يَبدو إِنَهُم سَكَنوا في الفِراش! ومُجدَداً عِندَ لِقائِي بِخالَتي، طَلَبَت مِني أَن تُزَيِنَ شَعري.. ولَم أَرفُض لَها أَيَّ طَلَب في إِقامَتِها مَعَنا.. وبَعدَ الظَهيرَة.. اِتَجَهنا لِـ"بُحَيرَة ماديوالا".. كانت صَغيرة جِداً لكِن المَنظَر جِداً بَديع.. ولِصِغَرِها.. لَم نَمضِ إلا القَليل فيها.. واتَجَهنا بَعدها لِـ"مُجَمَع بانغلور المَركزي".. حَيثُ كانَ نسخَة مُطابِقة لِلمُجَمَع المُقابِل لِلفُندق ولكِن أَكبَر بِكَثير... وبَعدَ التَسوّق عُدنا أَدراجَنا.. 
وكَما قُلتُ مُسبَقاً وسَأُكَرر .. نَتَجِهُ دائِماً ويَومِياً لِلمُجَمَع المُقابِل لِلفُندق... وتَناولنا عَشائَنا ودَلَلّنا أنفُسَنا بالآيسكريم..
وفي صَباحِ اليومِ التالي.. وهُوَ اليَومُ الأَخير لِتَجَمُع الأُختان.. وإلتَقينا بِإبنِها الثاني.. وما هِيَّ لَحَظاتٍ قَصيرَة.. حَتى بَدَأ الوَداع.. وكَم هي دُمُوعُها مُؤلِمَة .. كَأَنَها تَحكي لَنا بِأَنَها لَن تَرانا مُجَدَداً! 



غيوم على شكل قصر
وفي صَباحِ الثاني والعِشرين.. حَمَلنا الأَمتِعَة.. واِتَجَهنا مُغادِرين الفُندق.. وكَم كُنتُ اتَمَنى لو أَنّ تَحدُث مُعجِزَة وتُغيّر رَأينا لِنَبقى وَقتاً أَطوَل! 
خُروجُنا مِن بانغلور لَم يَكُن أَبَداً كَدُخولِنا.. فَكان يَكتَسيني الحُزن لِفِراقي هَذِهِ الأَرضَ الجَميلة! وكَم هُوَ مُؤلِم اِتِجاهُنا لِلمَطار... رَكَبنا الطَائِرَة حُدود الساعةِ الواحِدة ظُهراً.. وفي الطائِرة.. رأينا المَغيب مِن فوق السُحُب! سُبحانَك يا الله عَلى هَذِهِ الطَبيعة الخَلابة! كَأننا نَرا قُصوراً فوق الغُيوم!.. 

وكَذَلِكَ استِقبالُنا في نيودِلهي.. لَم يَكُن كالمَرَة اللأُولى! فَقَد كان أَسوَء بِكَثير! رُبَما الوَداع هُو السَبَب؟ 



وَصَلنا مَطار البَحرينِ الدُوَليّ في تَمام الساعةِ الثامِنَة مَساءاً.. واستَقَلنا سَيارة الأُجرة مُتَجِهين لِلمَنزِل.. وهُنا.. انتَهَت الرِحلَة.. انتَهَت المُغامَرَة.. انتَهى الحُلُم! وعُدنا لِلواقِع...


ما أدهَشَني فِعلاً خِلال هَذِهِ الرِحلَة كُلَها .. هو تَعب أُمي في مُواصَلةَ المَسير معَنا.. لكِنَها كانَت تُصِر عَلى عَدَم الراحة!... إمرَأة قَوية ذات عَزيمة... 

في الختامِ.. لَم أَجِد قَط في حَياتي شَعباً خَدوماً كالشَعب الهِنديّ! وكَم خِدمَة الزبائن مُهِمَة جِداً عِندَهُم ويُقيِّمون الزَبون خير تقييم ..